بكثيرٍ من الحزن، ينعي المعهد الفرنسي للشرق الأدنى الدكتور حسّان عبّاس، الأستاذ، والمثقّف، والباحث، والمناضل الصلب من أجل قضايا المجتمع المدني السوري.
كان حسّان عبّاس أحد أعمدة دورة اللغة العربيّة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى خلال خمسٍ وعشرين سنةً، في دمشق ثمّ في بيروت. عُرف بكرمه في التدريس، وحاك علاقاتٍ وطيدةً مع طلابه جيلاً بعد جيل، وفتح أعينهم على السينما والأدب والفنّ والموسيقى بعامة، وفي سيّاقها السوري بخاصة. لذا فإنّ عدداً كبيراً من العاملين اليوم في مجال الدراسات العربيّة والفرنسيّة هم في حِداد. بعد أن توقّف عن التدريس في دورة اللغة العربيّة في المعهد الفرنسي عام 2016، عاد ليعلّم قرابة عامٍ كاملٍ قبل الجائحة من منطق الوفاء والصداقة.
عمل حسّان عبّاس أستاذاً في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق حتّى عام 2009، وهو حاصلٌ على شهادة دكتوراه في النقد الأدبي من جامعة السوربون الجديدة (باريس الثالثة). قادته أبحاثه إلى العمل في حقولٍ كثيرة، ناظمهُا واحدٌ وهو العمل على الإنتاج الثقافي بأشكاله المتنوّعة. نذكر من أبحاثه دراسته عن الخارطة الثقافيّة لمنطقة وادي النصارى في سوريا (2010). أدار حسّان برنامج « الثقافة كمقاومة » في معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركيّة منذ عام 2016. وألّف العديد من الكتب والأبحاث، منها « الموسيقى التقليديّة في سوريا » (2018)، وله العديد من الترجمات. حتّى أيامه الأخيرة أجاب على مبادراتٍ عدّة في الحقل الثقافي، كان آخرها سلسة « دروب » تناول فيها الموارد الثقافيّة اللاماديّة في سوريا مع مؤسسة « اتّجاهات ». صدر مؤخّراً عن منصة « شركاء » كتابٌ عنه بعنوان « حسّان عبّاس بعيون معاصرة » شارك فيه عددٌ من أصدقائه وزملائه (بإشراف فايز سارة).
أستاذٌ وباحثٌ، هاتان الرسالتان تأخذان كامل معنييهما عبر انخراط حسّان عبّاس في المجتمعين المدنيّين السوري واللبناني. أسّس الفقيد عدداً من المنتديات، كما أسّس الرابطة السوريّة للمواطنة عام 2012 مع بداية الانتفاضة، ودار نشرها « بيت المواطن » الذي أصدر أكثر من أربعين كتاباً. اضطره التزامه السياسي في بناء سوريا ديمقراطيّة حرّة إلى مغادرة بلده، ليعيش في منفاه في بيروت. هنا في شارع بدارو، حيث موقع الرابطة السوريّة، أو في شرفة بيته المضيافة المطلّة على الحي، ثمّ في بيته في فرن الشبّاك، كان حسّان عبّاس مصدر إلهامٍ للعديد من الباحثين الشباب، والفنانين والمواطنين السوريّين في المنافي، كما في لبنان.
غادرنا حسّان عبّاس قبيل السنويّة العاشرة للثورة السوريّة بعد أعوامٍ طويلةٍ قضاها في منفاه في بيروت، ثمّ في دبي مؤخراً، ناضل فيها من أجل قضيّة المواطنة التي تسمح وحدها بإقامة دولةٍ تحترم حقوق الإنسان. كان يحلم بخلق مكانٍ ثقافي يتّسع للجميع. في الحقيقة، لقد جسّد بشخصه هذا المكان. حمل كتابه الصادر عن بيت المواطن عنوان « لا تغمض عينيك« ، وقبل وفاته بأيامٍ، أصدر المعهد الفرنسي للشرق الأدنى أخر كتابٍ له: « الجسد في رواية الحرب السوريّة« . فليرقد بسلام.